-A +A
عبداللطيف الضويحي
لقد كشفت المشاهد المأساوية للأطفال السوريين المتجمدين في مخيمات اللجوء في الشمال السوري حجم المآسي والمظالم التي يتعرض لها الشعب السوري في الداخل وفي المخيمات مع موجات الصقيع والثلوج الشديدة، وأن أزمة اللاجئين ما هي إلا رأس الجبل الجليدي لحجم المأساة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب السوري المغلوب على أمره.

أزمة اللاجئين السوريين هي كارثة العصر ولا أقلل من أزمات إنسانية أخرى يشهدها عديد البلدان فهي مظلمة إنسانية عالمية، لكن أزمة اللاجئين السوريين في الشمال السوري قبل أيام كانت اختباراً حقيقياً فشلت فيه منظمات الأمم المتحدة ووكالاتها الإغاثية في سوريا وفي غير سوريا.


من الغريب إصرار منظمات ووكالات الأمم المتحدة على استخدام أساليبها التقليدية منذ منتصف القرن الماضي من خيم ومخيمات لا تقي حر الصيف ولا تمنع برد الشتاء وصقيعه كما شاهدنا مع اللاجئين السوريين قبل أيام على شاشات التلفزيون، في حين هناك الكثير من الأساليب التي يمكن لهذه المنظمات والوكالات تبنيها والعمل بها وفقا لمعطيات العصر.

لماذا يا ترى تتجنب تلك المنظمات الإغاثية الأممية ومنظمات الأمم المتحدة المعنية باللاجئين إقامة بيوت ومساكن للاجئين ثابتة ودائمة خاصة حين تطول الأزمة وتمتد معاناة مواطنيها؟ لماذا تصر تلك المنظمات والوكالات الأممية على مخيمات مؤقتة في مناطق تكتظ بالأزمات الإنسانية مثل منطقتنا وتتدفق بملايين اللاجئين خاصة في السنوات الأخيرة؟

أليس من مصلحة اللاجئين والنازحين أن يسكنوا في بيوت محكمة ومؤمنة ضد تقلبات الطقس والمناخ وتحفظ لهم كرامتهم وقيمتهم؟ ألم يكن باستطاعة تلك المنظمات والوكالات الأممية الإغاثية وتلك المعنية باللاجئين إقامة عشرات المدن في بلدانهم أو في البلدان المجاورة؟ ألا تكفي الأزمات التي مرت بها منطقتنا لإقامة دولة للاجئين، فضلا عن مدينة للاجئين الذين تعاقبوا جيلا بعد جيل من هذه المنطقة؟ ألم تكن تلك المنظمات قادرة بالأموال التي تحصلت عليها بوقف هدر الأموال على المخيمات والخيم التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فضلا عن أنها لا تبني ولا تؤسس عملا مهنيا واحترافيا لمنظمات مثل منظمات الأمم المتحدة الإغاثية؟

أرجو ألا يحدثني أحدهم عن ضعف الموارد المالية، فيكفي درسا ما حققته حملات بعض الناشطين من الشباب وبعض مشاهير التواصل الاجتماعي العرب في بعض المجتمعات العربية من موارد مالية خلال ساعات! بل إن هؤلاء الشباب أنجزوا وحققوا ما لم تحققه تلك المنظمات والوكالات الأممية بإقامتهم مساكن ومدناً للاجئين خلال فترة وجيزة، الأمر الذي كان بإمكان منظمات ووكالات الأمم المتحدة إقامته والنجاح فيه لو أرادت منذ عشرات السنين.

هذا الموضوع ليس طارئا وليس مرتبطا بما تعرض له اللاجئون السوريون قبل أيام من موجة صقيع وبرد قاسية، فقد كتبتُ شخصيا مقالة في جريدة «عكاظ» بتاريخ 10/‏3/‏2020 بعنوان «الأمم المتحدة ودولة اللاجئين»، وكتبت مقالة أخرى في جريدة «عكاظ» بعنوان «جزيرة اللاجئين» بتاريخ 1 سبتمبر ‏2020، اقترحت فيها إقامة مقرات ومساكن لأي لاجئين أو نازحين محتملين قبل أن تقع الفأس بالرأس، ويموت من يموت ويتشرد من يتشرد من اللاجئين وقبل أن تُستغل جموع اللاجئين من قبل تجار البشر والنخاسين الجدد والدول المارقة بإرغام هؤلاء اللاجئين إما بتحويلهم إلى مرتزقة أو إلى إرهابيين أو بدفعهم دفعا للمجازفة ليصبحوا طعاما للحوت والسمك في البحر الأبيض المتوسط! «مشكلة اللاجئين في المقام الأول أزمة وطن، ولهذا كنت أرى أن على الأمم المتحدة ومنظماتها أن تتبنى فكرة إيجاد «وطن» دائم لكل لاجئ يتعذر عليه إيجاد وطن مؤقت بحيث تتملك الأمم المتحدة مجموعة من الجُزر غير المأهولة حسب القانون الدولي»، فأزمات اللاجئين لن تتوقف، بل هي في ازدياد للأسف، في ظل سيادة شريعة الغاب والبلطجة التي تمارسها إسرائيل وإيران وتركيا ومن ورائها القوى العظمى، ناهيك عن أن البلدان التي تقبل باللاجئين اكتفت وفاضت بما وصلها منذ سنوات. فعلى ماذا تراهن إذن منظمات الأمم المتحدة الإغاثية ووكالاتها؟

تغيرت حكومات واختفت دول من هذا العالم وتبدلت شعوب، لكن منظمات الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها الإغاثية باقية على إجراءاتها وأدواتها تذود عن آخر قلاع البيروقراطية وتناضل دون حصونها. فهل ينتهي دور تلك المنظمات الأممية في الأزمات ومع اللاجئين، مع تنامي قدرات النشطاء وبعض مشاهير التواصل الاجتماعي، والدرس الذي قدمه هؤلاء الشباب والنشطاء في الشمال السوري قبل أيام؟